فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كتابهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ} الآية، هذه الآية الكريمة تدل على أن من لم يعط كتابه بيمينه أنه يعطاه وراء ظهره وقد جاءت آية يفهم منها أنه يؤتاه بشماله وهي قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كتابهُ بِشِمَالِهِ فَيَقول يَا لَيْتَنِي} الآية.
والجواب ظاهر وهو أنه لا منافاة بين أخذه بشماله وايتائه وراء ظهره لأن الكافر تغل يمناه إلى عنقه وتجعل يسراه وراء ظهره فيأخذ بها كتابه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

قال القرطبي:
باب ما جاء في تطاير الصحف عند العرض والحساب وإعطاء الكتب باليمين والشمال ومن أول من يأخذ كتابه بيمينه من هذه الأمة، وفي كيفية وقوفهم للحساب وما يقبل منهم من الأعمال، وفي دعائهم بأسماء آباهم وبيان قوله: {يوم ندعو كل أناس بإمامهم} وفي تعظيم خلق الإنسان الذي يدخل الناس به النار أو الجنان وذكر القاضي العدل ومن نوقش عذب.
قال الترمذي: وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وتزينوا للعرض الأكبر وإنما يخف الحساب على من حاسب نفسه في الدنيا) وقال عطاء الخراساني: يحاسب العبد يوم القيامة عند معارفة ليكون أشد عليه. ذكره أبو نعيم.
البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حوسب يوم القيامة عذب. قالت فقلت يا رسول الله: أليس قد قال الله: {فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حساباً يسيراً}؟ فقال: ليس ذلك الحساب إنما ذلك عرض من نوقش الحساب يوم القيامة عذب» أخرجه مسلم والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
أبو داود الطيالسي قال: حدثنا عمر بن العلاء اليشكري قال: حدثني صالح بن طبرج عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول وذكر عندها القضاة، فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «يؤتى بالقاضي العدل يوم القيامة فيلقى من شدة الحساب ما يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في تمرة قط».
الترمذي عن الحسن، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال ومعاذير فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله» قال أبو عيسى ولا يصح هذا الحديث من قبل أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة رضي الله عنه، وقد رواه بعضهم عن علي الرفاعي عن الحسن عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: قوله وقد رواه بعضهم هو وكيع بن الجراح. ذكره ابن ماجه قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن علي بن علي فذكره.
قال الترمذي: وتكلم يحيى بن سعيد القطان في علي بن علي، وخرجه أبو بكر البزار أيضًا عن أبي موسى الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات فأما عرضتان فجدال، وأما الثالثة فتطاير الكتب يميناً وشمالاً».
وذكره الترمذي الحكيم في الأصل السادس والثمانين قال: فروى لنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الناس يعرضون ثلاث عرضات يوم القيامة، فأما عرضتان فجدال ومعاذير، وأما العرضة الثالثة فتطاير الصحف» فالجدال لأهل الأهواء يجادلون لأنهم لا يعرفون ربهم فيظنون أنهم إذا جادلوه نجوا وقامت حجتهم، والمعاذير لله تعالى يعتذر الكريم إلى آدم وإلى أنبيائه ويقيم حجته عندهم على الأعداء، ثم يبعثهم إلى النار، فإنه يجب أن يكون عذره عند أنبيائه وأوليائه ظاهراً حتى لا تأخذهم الحيرة، ولذلك قيل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أحد أحب إليه المدح من الله ولا أحد أحب إليه العذر من الله»، والعرضة الثالثة للمؤمنين وهو العرض الأكبر يخلو بهم فيعاتبهم في تلك الخلوات من يريد أن يعاتبهم حتى يذوق وبال الحياء ويرفض عرقاً بين يديه ويفيض العرق منهم على أقدامهم من شدة الحياء، ثم يغفر لهم ويرضى عنهم.
وذكر أبو جعفر العقيلي من حديث نعيم بن سالم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الكتب كلها تحت العرش فإذا كان يوم الموقف بعث الله ريحاً فتطيرها بالإيمان والشمائل أول خط فيها: اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً».
أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ذكرت النار فبكيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبكيك؟ قلت: ذكرت النار فبكيت فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ فقال: أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحدًّا. عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل، وعند تطاير الصحف حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه أم في شماله من وراء ظهره، وعند الصراط إذا وضع بين ظهري جهنم حتى يجوز».
وذكر أبو بكر أحمد بن ثابت الخطيب، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول من يعطى كتابه بيمينه من هذه الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وله شعاع كشعاع الشمس فقيل له: أين يكون أبو بكر يا رسول الله؟ قال: هيهات زفته الملائكة إلى الجنان».
وخرج الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن منده في كتاب التوحيد له عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تبارك وتعالى ينادي يوم القيامة بصوت رفيع غير فظيع: يا عبادي أنا الله لا إله إلا أنا أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين وأسرع الحاسبين، يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون، أحضروا حجتكم ويسروا جوابكم، فإنكم مسؤلون محاسبون، يا ملائكتي أقيموا عبادي طفوفاً على أطراف أنامل أقدامهم للحساب».
وأسند سمرة بن عطية قال: «يؤتى بالرجل يوم القيامة للحساب، وفي صحيفته أمثال الجبال من الحسنات، فيقول رب العزة تبارك وتعالى: صليت يوم كذا وكذا، ليقال: فلان صلى، أنا الله لا إله إلا أنا، لي الدين الخالص، صمت يوم كذا وكذا، ليقال: صام فلان، أنا الله لا إله إلا أنا، لي الدين الخالص، تصدقت يوم كذا وكذا ليقال: تصدق فلان، أنا الله لا إله إلا أنا، لي الدين الخالص، فما زال يمحى شيء بعد شيء حتى تبقى صحيفته ما فيها شيء، فيقول ملكاه: ألغير الله كنت تعمل؟»
قلت: ومثل هذا لايقال من جهة الرأي فهو مرفوع، وقد رفع معناه الدار قطني في سننه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجاء يوم القيامة بصحف مختومة فتنصب بين يدي الله عز وجل فيقول الله تعالى: ألقوا هذا واقبلوا هذا، فتقول الملائكة: وعزتك ما رأينا إلا خيراً فيقول الله عز وجل وهو أعلم: إن هذا كان لغيري ولا أقبل من العمل إلا ما ابتغي به وجهي». خرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه بمعناه على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في «قوله تعالى: {يوم ندعوا كل أناس بإمامهم} قال: يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه، ويمد له في جسمه ستون ذراعاً، ويبيض وجهه، ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ يتلألأ فبنطلق إلى أصحابه فيرونه من بعد، فيقولون: اللهم آتنا بهذا وبارك لنا في هذا حتى يأتيهم، ويقول: أبشروا لكل مسلم مثل هذا، قال: وأما الكافر فيسود وجهه ويمد في جسمه ستون ذراعاً على صورة آدم، ويلبس تاجاً من نار فيراه أصحابه فيقولون: نعوذ بالله من شر هذا، اللهم لا تأتنا بهذا قال: فيأتيهم فيقولون: اللهم اخزه، فيقول: أبعدكم الله، فإن لكل رجل منكم مثل هذا»، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب.
وروي أن عيسى عليه السلام مر بقبر فوكزه برجله وقال: يا صاحب هذا القبر قم بإذن الله فقام إليه رجل، وقال: يا روح الله ما الذي أردت فإني لقائم في الحساب منذ سبعين سنة حتى أتتني الصيحة الساعة أن أجب روح الله، فقال عيسى: يا هذا لقد كنت كثير الذنوب والخطايا ما كان عملك؟ فقال: والله يا روح الله ما كنت إلا حطاباً أحمل الحطب على رأسي آكل حلالاً وأتصدق، فقال عيسى: يا سبحان الله حطاباً يحمل الحطب على رأسه، يأكل حلالاً ويتصدق، وهو قائم في الحساب منذ سبعين سنة، ثم قال له: يا روح الله كان من توبيخ ربي لي أن قال: اكتراك عبدي لتحمل له حزمة، فأخذت منها عوداً فتخللت به وألقيته في غير مكانه امتهاناً منك بي، وأنت تعلم أني أنا الله المطلع عليك وأراك.
فصل:
قال الله تعالى: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} قال الزجاج: ذكر العنق عبارة عن اللزوم كلزوم القلادة للعنق.
وقال إبراهيم بن أدهم كل آدمي في عنقه قلادة يكتب فيها نسخة عمله فإذا مات طويت وإذا بعث نشرت وقيل له {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً} وقال ابن عباس رضي الله عنه: طائره عمله {ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً * اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً} قال الحسن: يقرأ الإنسان كتابه أميا كان أو غير أمي.
وقال أبو السوار العدوي: وقرأ هذه الآية {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} قال: هما نشرتان وطية أما ما حييت يا ابن آدم فصحيفتك المنشورة فأمل فيها ما شئت فإذا مت طويت، حتى إذا بعثت نشرت اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً فإذا وقف الناس على أعمالهم من الصحف التي يؤتونها بعد البعث حوسبوا بها.
قال الله تعالى: {فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حساباً يسيراً}. فدل على أن المحاسبة تكون عند إتيان الكتب، لأن الناس إذا بعثوا لا يكون ذاكرين لأعمالهم.
قال الله تعالى: {يوم يبعثهم الله جميعاً فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه}.
وقد تقدم القول في محاسبة الله تعالى لخلقه في يوم الحساب من أسماء القيامة فإذا بعثوا من قبورهم إلى الموقف وقاموا فيه ما شاء تعالى على ما تقدم حفاة عراة وجاء وقت الحساب يريد الله أن يحاسبهم فيه أمر بالكتب التي كتبها الكرام الكاتبون بذكر أعمال الناس فأوتوها، فمنهم من يؤتى كتابه بيمينه فأولئك هم السعداء، ومنهم من يؤتى كتابه بشماله أو من وراء ظهره وهم الأشقياء، فعند ذلك يقرأ كل كتابه وأنشدوا:
مثل وقوفك يوم العرض عرياناً ** مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا

والنار تلهب من غيظ ومن حنق ** على العصاة ورب العرش غضبانا

اقرأ كتابك ياعبدي على مهل ** فهل ترى فيه حرفاً غير ما كانا

لما قرأت ولم تنكر قراءته ** إقرار من عرف الأشياء عرفاناً

نادى الجليل: خذوه يا ملائكتي ** وامضوا بعبد عصى للنار عطشانا

المشركون غداً في النار يلتهبوا ** والمؤمنون بدار الخلد سكانا

فتوهم نفسك يا أخي إذا تطايرت الكتب ونصبت الموازين وقد نوديت باسمك على رؤوس الخلائق أين فلان ابن فلان هلم إلى العرش على الله تعالى وقد وكلت الملائكة بأخذك فقربتك إلى الله لا يمنعها اشتباه الأسماء باسمك واسم أبيك إذ عرفت أنك المراد بالدعاء إذ قرع النداء قلبك، فعلمت أنك المطلوب، فارتعدت فرائصك، واضطربت جوارحك، وتغير لونك، وطار قلبك. تحظى بك الصفوف إلى ربك للعرض عليه والوقوف بين يديه، وقد رفع الخلائق إليك أبصارهم وأنت في أيديهم وقد طار قلبك واشتد رعبك لعلمك أين يراد بك.
فتوهم نفسك وأنت بين يدي ربك في يدك صحيفة مخبرة بعملك لا تغادر بلية كتمتها ولا مخبأة أسررتها، وأنت تقرأ ما قيها بلسان كليل وقلب منكسر والأهوال محدقة بك من بين يديك ومن خلفك، فكم من بلية قد كنت نسيتها ذكرتها، وكم من شيئة قد كنت أخفيتها قد أظهرها وأبداها، وكم من عمل ظننت أنه سلم لك وخلص فرده عليك في ذلك الموقف وأحبطه بعد أن كان أملك فيه عظيماً، فيا حسرة قلبك ويا أسفك على ما فرطت فيه من طاعة ربك فأما من أوتي كتابه بيمينه فعلم أنه من أهل الجنة فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه وذلك حين يأذن الله فيقرأ كتابه.
فإذا كان الرجل رأساً في الخير يدعوا إليه ويأمر به ويكثر تبعه عليه دعي باسمه واسم أبيه فيتقدم، حتى إذا دنا أخرج له كتاب أبيض بخط أبيض في باطنه السيئات وفي ظاهره الحسنات، فيبدأ بالسيئات فيقرؤها فيشفق ويصفر وجهه ويتغير لونه، فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه هذه سيئاتك وقد غفرت لك، فيفرح عند ذلك فرحاً شديداً، ثم يقلب كتابه فيقرأ حسناته فلا يزداد إلا فرحاً، حتى إذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه هذه حسناتك قد ضوعفت لك فيبيض وجهه، ويؤتى بتاج فيوضع على رأسه ويكسى حلتين ويحلى كل مفصل فيه وبطول ستين ذراعاً وهي قامة آدم ويقال له: انطلق إلى أصحابك فبشرهم وأخبرهم أن لكل إنسان منهم مثل هذا فإذا أدبر قال: {هاؤم اقرؤوا كتابيه * إني ظننت أني ملاق حسابيه} قال الله تعالى: {فهو في عيشة راضية} أي مرضية قد رضيها في جنة عالية في السماء قطوفها ثمارها وعناقيدها دانية أدنيت منهم فيقول لأصحابه هل تعرفونني؟ فيقولون قد غمرتك كرامة الله من أنت فيقول أنا فلان ابن فلان ليبشر كل رجل منكم بمثل هذا كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية أي قدمتم في أيام الدنيا.
وإذا كان الرجل رأساً في الشر يدعو إليه ويأمره به فيكثر تبعه عليه ونودي باسمه واسم أبيه، فيتقدم إلى حسابه فيخرج له كتاب أسود بخط أسود في باطنه الحسنات وفي ظاهره السيئات، فيبدأ بالحسنات فيقرؤها ويظن أنه سينجو، فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه: هذه حسناتك وقد ردت عليك، فيسود وجهه ويعلوه الحزن ويقنط من الخير ثم يقلب كتابه فيقرأ سيئاته فلا يزداد إلا حزناً ولا يزداد وجهه إلا سوداً، فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه: هذه سيئاتك وقد ضوعفت عليك أي يضاعف عليه العذاب ليس المعنى أنه يزاد عليه ما لم يعمل.
قال: فينظر إلى النار وتزرق عيناه ويسود وجهه ويكسى سرابيل القطران، ويقال له: انطلق إلى أصحابك فأخبرهم أن لكل إنسان منهم مثل هذا فينطلق وهو يقول: {يا ليتني لم أوت كتابيه * ولم أدر ما حسابيه * يا ليتها كانت القاضية} يعني الموت هلك عني سلطانيه تفسير ابن عباس رضي الله عنهما هلكت عني حجتي.
قال تعالى: {خذوه فغلوه * ثم الجحيم صلوه أي اجعلوه يصلى الجحيم ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه} والله أعلم بأي ذراع.
قال الحسن وقال ابن عباس رضي الله عنهما: سبعون ذراعاً بذراع الملك. وسيأتي في كتاب النار لهذه السلسلة مزيد بيان. فاسلكوه فيها أي تدخل من فيه حتى تخرج من دبره قاله الكلبي، وقيل: بالعكس.
وقيل:
يدخل عنقه فيها ثم يجر بها ولو أن حلقة منها وضعت على جبل لأذابته فينادي أصحابه فيقول هل تعرفونني فيقولون لا ولكن قد نرى ما بك من الخزي فمن أنت فيقول أنا فلان ابن فلان لكل إنسان منكم مثل هذا.
وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فتخلع كتفه اليسرى فتجعل يده خلفه فيأخذ بها كتابه، وقال مجاهد: يحول مجاهد وجهه في موضع قفاه فيقرأ كتابه كذلك. فتوهم نفسك إن كنت من السعداء وقد خرجت على الخلائق مسرور الوجه قد حل لك الكمال والحسن والجمال كتابك في يمينك آخذ بضبعيك ملك ينادي على رؤوس الخلائق هذا فلان ابن فلان سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً.
أما إن كنت من أهل الشقاوة فيسود وجهك وتتخطى الخلائق. كتابك في شمالك أو من وراء ظهرك تنادي بالويل والثبور وملك آخذ بضبيعك ينادي على رؤوس الخلائق ألا إن فلان ابن فلان شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبداً.
قلت: قوله ألا إن فلان ابن فلان دليل على أن الإنسان يدعى في الآخرة باسمه واسم أبيه، وقد جاء صريحاً من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم». خرجه أبو نعيم الحافظ.
قال حدثنا أبو عمر بن حمدان قال حدثنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا زكريا بن يحي قال: حدثنا هشيم عن داود بن عمر عن عبد الله بن أبي زكريا عن أبي الدرداء فذكره. اهـ.